كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فائدة:
رسمت معصية في الموضعين بالتاء المجرورة، وإذا وقف عليها فأبو عمرو وابن كثير والكسائي بالهاء في الوقف، والكسائي بالإمالة في الوقف على أصله ووقف الباقون بالتاء على الرسم واتفقوا في الوصل على التاء {وإذا جاؤوك} أي: يا أشرف الخلق {حيوك} أي: واجهوك بما يعدونه تحية {بما لم يحيك به الله} أي: الملك الأعلى الذي لا أمر لأحد معه «وذلك أنّ اليهود كانوا يدخلون على النبيّ صلى الله عليه وسلم ويقولون السام عليك، والسام الموت وهم يوهمون أنهم يقولون السلام عليك وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يرد عليهم فيقول: وعليكم فقالت السيدة عائشة: السام عليكم ولعنة الله وغضبه عليكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلًا يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش، فقالت: أو لم تسمع ما قالوا يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لم تسمعي ما قلت، رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم فيّ» وقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: عليك ما قلت» فأنزل الله تعالى: {وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله} وروى أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم» بالواو فقال بعض العلماء: إنّ الواو العاطفة تقتضي التشريك فيلزم منه أن ندخل معهم فيما دعوا به علينا من الموت أو من سآمة ديننا وهو الملال يقال سئم يسأم سأمة وسأمًا، وقال بعضهم: الواو زائدة كما زيدت في قول الشاعر:
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى

أي: لما أجزنا انتحى فزاد الواو وقال: آخرون هي للاستئناف، كأنه قيل: والسام عليكم، وقال آخرون: هي على بابها من العطف ولا يضرّنا ذلك لأنا نجاب عليهم ولا يجابون علينا كما تقدّم في قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة.
تنبيه:
اختلف العلماء في ردّ السلام على أهل الذمة فقال ابن عباس والشعبي وقتادة: هو واجب لظاهر الأمر بذلك، وقال مالك: ليس بواجب فإن رددت فقل وعليك، وعندنا يجب أن يقول له وعليك لما مرّ في الحديث، وقال بعضهم: يقول في الردّ علاك السلام أي: ارتفع عنك، وقال بعض المالكية: يقال في الردّ السلام عليك بكسر السين يعني الحجارة ولما كانوا يخفون ذلك جهدهم ويظنون بإملاء الله تعالى لهم أنه صلى الله عليه وسلم لا يطلع عليه وإن اطلع عليه لم يقدر أن ينتقم منهم عبر عن ذلك بقوله تعالى: {ويقولون في أنفسهم} من غير أن يطلع عليه أحد {لولا} أي: هلا ولم لا {يعذبنا الله} أي: الذي له الإحاطة بكل شيء {بما نقول} أي: لو كان نبينًا لعذبنا الله بما نقول وقيل: قالوا إنه يردّ علينا ويقول: وعليكم السام فلو كان نبيًا لاستجيب له فينا ومتنا وهذا موضع تعجب منهم فإنهم كانوا أهل الكتاب وكانوا يعلمون أنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يغضبون فلا يعاجلون من يغضبهم بالعذاب {حسبهم} أي: كافيهم في الانتقام {جهنم} أي: الطبقة التي تلقاهم بالتجهم والعبوسة والفظاظة فإن حصل لهم في الدنيا عذاب كان زيادة على الكفاية فاستعجالهم بالعذاب محض رعونة {يصلونها} أي: يقاسون عذابها دائمًا، فإنا قد أعددناها لهم {فبئس المصير} أي: مصيرهم.
{يا أيها الذين آمنوا} أي: ادعوا أنهم أوجدوا هذه الحقيقة {إذا تناجيتم} أي: اطلع كل منكم الكلام من نفسه فرفعه وكشفه لصاحبه سرًّا {فلا تتناجوا} أي: توجدوا هذه الحقيقة {بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول} أي: الكامل في الرسالة كفعل المنافقين واليهود، وقال مقاتل: أراد تعالى بقوله: {آمنوا} المنافقين آمنوا بلسانهم، وقال عطاء: يريد الذين آمنوا بزعمهم، وقيل: يا أيها الذين آمنوا بموسى {وتناجوا بالبرّ والتقوى} أي: الطاعة والعفاف عما نهى الله تعالى عنه {واتقوا الله} أي: اقصدوا قصدًا يتبعه العمل بأن تجعلوا بينكم وبين سخط الملك الأعظم وقاية {الذي إليه} خاصة {تحشرون} أي: تجمعون بأيسر أمر وأسهله بقهر وكره وهو يوم القيامة، فيتجلى فيه سبحانه للحكم بين الخلق والإنصاف بينهم بالعدل ومحاسبتهم على النقير والقطمير، لا تخفى عليه خافية ولا تقي منه واقية.
{إنما النجوى} أي: المعهود وهي المنهي عنها {من الشيطان} أي: مبتدئة وممتدّة من المحترق بطرده عن رحمة الله تعالى، فإنه الحامل عليها بتزيينها ففاعلها تابع لأعدى أعدائه مخالف لأعظم أوليائه {ليحزن} أي: الشيطان {الذين آمنوا} أي: ليوهمهم أنها لسبب شيء وقع مما يؤذيهم، والحزن همّ غليظ وتوجع يدق، يقال: حزنه وأحزنه بمعنى، قال في القاموس: أو أحزنه جعله حزينًا.
وقرأ نافع بضم الياء وكسر الزاي من أحزنه، والباقون بفتح الياء وضم الزاي من حزن، والقراءة الأولى أشد في المعنى على ما في القاموس.
{وليس} أي: الشيطان أو ما حمل عليه من التناجي {بضارهم} أي: الذين آمنوا {شيئا} من الضرر وإن قلّ {إلا بأذن الله} أي: بمشيئة الملك المحيط علمًا وقدرة.
فإن قيل: كيف لا يضرّهم ذلك ولا يحزنهم إلا بإذن الله؟
أجيب: بأنهم كانوا يوهمون المؤمنين في نجواهم وتفاخرهم أنّ غزاتهم غلبوا وأنّ أقاربهم قتلوا فقال تعالى: {لا يضرّهم الشيطان} والحزن بذلك الموهم إلا بأذن الله تعالى أي: بمشيئته وهو أن يقضي الموت على أقاربهم والغلبة على الغزاة {وعلى الله} أي: الملك الذي لا كفء له لا على أحد غيره {فيتوكل المؤمنون} أي: الراسخون في الإيمان في جميع أمورهم، فإنه القادر وحده على إصلاحها وإفسادها فلا يحزنوا من أحد أن يكيدهم بسرّه ولا يجهره فإنهم توكلوا عليه وفوّضوا أمورهم إليه، وخص الراسخين لإمكان ذلك منهم في العادة، وأمّا أصحاب البدايات فلا يكون ذلك منهم إلا خرق عادة، روى ابن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بأذنه فإنّ ذلك يحزنه» وعن عبد الله بن مسعود أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى يختلطوا بالناس من أجل أن يحزنه» فبين في هذا الحديث غاية المنع وهو أن يجد الثالث من يتحدّث معه كما فعل ابن عمر وذلك أنه كان يتحدث مع رجل فجاء آخر يريد أن يناجيه فلم يناجه حتى دعا رابعًا فقال له وللأول تأخرا وناجى الرجل الطالب للمناجاة، أخرجه في الموطأ ونبه على العلة بقوله: من أجل أن يحزنه أي: يقع في نفسه ما يحزن لأجله وعلى هذا يستوي في ذلك كل الأعداد فلا يتناجى أربعة دون واحد ولا عشرة ولا ألف مثلًا، لوجود ذلك المعنى في حقه بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأوقع فيكون بالمنع أولى، وإنما خص الثلاثة بالذكر، لأنه أوّل عدد يتأتى ذلك فيه.
قال القرطبي: وظاهر الحديث يعم جميع الأزمان والأحوال وذهب إليه ابن عمر ومالك والجمهور وسواء أكان التناجي في واجب أو مندوب أو مباح فإنّ الحزن ثابت به، وقد ذهب بعض الناس إلى أنّ ذلك كان في أوّل الإسلام لأنّ ذلك كان حال المنافقين فيتناجى المنافقون دون المؤمنين فلما فشا الإسلام سقط ذلك، وقال بعضهم: ذلك خاص بالسفر وفي المواضع التي لا يأمن الرجل فيها صاحبه فأمّا الحضر وبين العمارة فلا؛ لأنه يجد من يغيثه بخلاف السفر فإنه مظنة الاغتيال وعدم الغوث ولما نهى المؤمنين عما يكون سببًا للتباغض والتنافر أمرهم الآن بما يصير سببًا لزيادة المحبة والمودّة بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} أي: الذين اتصفوا بهذا الوصف {إذا قيل لكم} أي: من أيّ قائل كان فإنّ الخير يرغب فيه لذاته {تفسحوا} أي: توسعوا أي: كلفوا أنفسكم في اتساع المواضع {في المجلس} أي: الجلوس أو مكانه لأجل من يأتي فلا يجد مجلسًا يجلس فيه، قال قتادة ومجاهد: «كانوا يتنافسون في مجلس النبيّ صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن يفسح بعضهم لبعض»، وقال ابن عباس: المراد بذلك مجالس القتال إذا اصطفوا للحرب، قال الحسن وزيد بن أبي حبيب «كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا قاتل المشركين تشاح أصحابه على الصف الأوّل فلا يوسع بعضهم لبعض رغبة في القتال والشهادة فنزلت». فيكون كقوله تعالى: {مقاعد للقتال} [آل عمران]
وقال مقاتل «كان النبيّ صلى الله عليه وسلم في الصفة وكان في المكان ضيق وكان يكرم أهل بدر من المهاجرين، والأنصار فجاء ناس من أهل بدر وقد سبقوا إلى المجلس، فقاموا قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحملهم على القيام وشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لمن حوله من غير أهل بدر: قم يا فلان بعدد القائمين من أهل بدر فشق ذلك على من قام، وعرف النبيّ صلى الله عليه وسلم الكراهة في وجوههم فقال المنافقون: والله ما عدل على هؤلاء أنّ قومًا أخذوا مجالسهم وأحبوا القرب منه فأقامهم وأجلس من أبطأ» فنزلت الآية يوم الجمعة.
وروي عن ابن عباس قال: «نزلت الآية في ثابت بن قيس بن شماس وذلك أنه دخل المسجد وقد أخذ القوم مجالسهم وكان يريد القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم للوقر أي: الصمم الذي كان في أذنيه فوسعوا له حتى قرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ضايقه بعضهم وجرى بينه وبينهم كلام فنزلت» وقد تقدّمت قصته في سورة الحجرات. وقرأ عاصم: يفتح الجيم، ألف بعدها جمعًا لأنّ لكل جالس مجلسًا أي: فليفسح كل واحد في مجلسه والباقون بسكون الجيم ولا ألف إفرادا، قال البغوي: لأنّ المراد منه مجلس النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقال القرطبي: الصحيح في الآية أنها عامة في مجلس اجتمع المسلمون فيه للخير وللأجر سواء أكان مجلس حرب أو ذكر أو مجلس يوم الجمعة، وإنّ كل واحد أحق بمكانه الذي سبق إليه قال صلى الله عليه وسلم: «من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به ولكن يوسع لأخيه ما لم يتأذ بذلك فيخرجه الضيق من موضعه» فيكون المراد بالمجلس الجنس ويؤيده قراءة الجمع {فافسحوا} أي: وسعوا فيه عن سعة صدر {يفسح الله} أي: الذي له الأمر كله {لكم} في كل ما تكرهون ضيقه من الدارين.
وقال الرازي: هذا يطلق فيما يطلب الناس الفسحة فيه من المكان والرزق والصدر والقبر والجنة قال: ولا ينبغي للعاقل أن يقيد الآية بالتفسح في المجلس بل المراد منه إيصال الخير إلى المسلم وإدخال السرور في قلبه.
وإذا قيل: أي من أيّ قائل كان كما مضى إذا كان يريد الإصلاح والخير {انشزوا} أي: ارتفعوا وانهضوا إلى الموضع الذي تؤمرون به أو يقتضيه الحال للتوسعة أو غيرها من الأوامر كالصلاة والجهاد {فانشزوا} أي: فارتفعوا وانهضوا {يرفع الله} أي: الذي له جميع صفات الكمال {الذين آمنوا} وإن كانوا غير علماء {منكم} أي: أيها المأمورون بالتفسح السامعون للأوامر المبادرون إليها بطاعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقيامهم في مجلسهم وتوسعهم لإخوانهم {والذين أوتوا العلم درجات} يجوز أن يكون معطوفًا على الذين آمنوا فهو من عطف الخاص على العام فإنّ الذين أوتوا العلم بعض المؤمنين، ويجوز أن يكون والذين أوتوا العلم من عطف الصفات أي: تكون الصفتان لذات واحدة كأنه قيل: يرفع الله المؤمنين العلماء ودرجات مفعول ثان، وقال ابن عباس: تمّ الكلام عند قوله تعالى: {منكم} وينتصب الذين أوتوا بفعل مضمر أي: ويخص الذين أوتوا العلم درجات أو ويرفع درجات.
قال المفسرون: في هذه الآية أنّ الله تعالى رفع المؤمن على من ليس بمؤمن والعالم على من ليس بعالم، قال ابن مسعود مدح الله تعالى العلماء في هذه الآية، والمعنى: أنّ الله تعالى يرفع الله الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم درجات في دينهم إذا فعلوا بما أمروا به وقال تعالى: {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} [الزمر]
وقال تعالى: {وقل رب زدني علمًا} [طه]
وقال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر]
والآيات في ذلك كثيرة معلومة.
وأمّا الأحاديث فكثيرة مشهورة منها من «يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» وروي أنّ عمر رضي الله عنه «كان يقدّم عبد الله بن عباس على الصحابة رضي الله تعالى عنهم فكلموه في ذلك فدعاهم ودعاه فسألهم عن تفسير {إذا جاء نصر الله والفتح} فسكتوا فقال ابن عباس: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله إياه فقال عمر ما أعلم منها إلا ما تعلم».